دير مار أنطونيوس - عين ورقة

بَنى المُطران جريس اسطفان في العام 1630 ديرًا صغيرًا مع كنيسة على اسم السيّدة العذراء، في مِنطقة المَشرَح في أسفَل وادي غوسطا، غَربيّ الدّير الحالي، إلّا أنّ طبيعة الأرض هناك لم تكن ملائمة للبناء بسبب كثرة الأمطار والسّيول، لذا لم تَمضِ سنوات على إنشاء الدّير، حتّى تقَرَّرَ بناء دير آخر على اسم مار أنطونيوس الكبير في مِنطقة عَين وَرقَة، من قبل الخوري خيرالله اسطفان في العام 1660. كَرَّسَ المُكرَّم البطريرك مار اسطفان الدّويهي (1670-1704) كنيسة  الدّير في عيد الصَّليب من العام 1798. ومِمَّا جاء في عِظته: إنّ هذا الدّير سَينشأ عنه خيرٌ عظيمٌ للطّائفة المارونيّة

يُذكر بأنه تعلو المذبح مَنحوتة نُقشَت عليها عِبارة بالسريانية، حيث نقرأ: "إِن أَرَدتَ أَن تَكُونَ كَامِلًا فَاذهَب وَبع أَملاَكَكَ وَأَعطِ الفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتبَعنِي"

بَعدَها، شَهِد الدّير عدّة عَمليّات تَوسيع وتَرميم، وقد حَوّله البَطريَرك يوسف اسطفان (1766-1793) إبن غوسطا إلى مَدرَسة عامَّة للطّائِفة المارونيّة في العام ١٧٨٩، لتَكون هي البَديل عن المَدرَسَة المارونيّة في روما، التي أدّى إقفالها إلى تَراجُع النَّهضَة الثقافيّة في لبنان. وضع غبطته المدرسة تحت سلطَة البَطريَرك الماروني كائنًا من كان، وفَتَحَت أبوابها للطُّلّاب اعتباراً من العام 1797 في زمن البَطريَرك يوسف التّيّان (1796-1809)

 

تَعود تَسمية عَين ورقَة على الأرجح إلى طائر الورقاء (نوع من أنواع الحمام) الذي يَقصِد العَين بالجوار ليرتوي، وللدّليل، فقد اتَّخَذَت المَدرَسة الحَمامَة شِعارًا لها

 

دُرِّسَت في تلك المدرسة خمس لُغات: العَربية، السّريانيّة، الفَرنسيّة، اللّاتينيّة والإيطاليّة بالإضافَة إلى عُلوم الفَلسَفَة واللّاهوت. وفي العام 1840 أصبحت، بموجب مرسوم صادر عن مَجمَع إنتشار الإيمان في روما، كاتدرائيّة العلوم الفَلسَفيّة. إشتُهِرَت تلك المدرسة بمَكتَبَتِها الغَنيّة بالمَخطوطات الموجودة حاليًّا في بكركي. ولا بُدَّ من الإشارة إلى الدّور الّذي لعبته هذه المدرسة على مُستوى النّهضة الثّقافيّة في لبنان والمنطقة. فقد سَمّاها الأديب  مارون عبّود "سوربون الشرق"، كما لقّبها أحد خِرّيجيها المُطران يوحنّا حبيب بـ “أمّ مَدارِس لبنان وسوريا”. وقد خَرّجَت العديد من الرّجالات والشّخصيّات المرموقة من بَطارِكة وأساقفِة وكَهنة، وأعلام في الفَلسَفَة واللّاهوت والخِطابَة والشّعر واللّغة العربيّة وغيرهم... نذكر من البطاركة: البَطريَرك يوسف حبيش (1823-1845)، البَطريَرك يوسف راجي الخازن (1845-1854)، البَطريَرك بولس مَسعد (1854-1890)، والبَطريَرك يوحنّا الحاج (1890-1898)، إضافة إلى عَشرات الأساقفة مِنهم المُطران يوسف الدِبس مؤسِّس مَدرَسَة الحِكمَة في بيروت، المُطران يوحنّا حَبيب مؤسِّس المُرسلين اللبنانيين، والمونسينيور إميل جعارة مؤسِّس جَمعية راهبات القُربان الأقدَس المُرسلات، اللّواتي استقَرَّت جَمعيّتُهُنّ في الدير منذ العام 1966. ومن أبرز العلمانيّين المُعلِّم بُطرس البُستاني، بشارة الخوري الفقيه (جَد الرئيس بشارة الخوري)، أحمد فارس الشدياق وأخوه أسعد، رشيد الدحداح، وبولس زين... تابَعَت المَدرَسة رِسالتَها حتى العام 1952، وانتقلت بعدها إلى هَرهَريا – القَطّين، بعد أن خَرَّجَت آخر دُفعَة من تَلامذَتها الّذين كان من بَينِهم الأب إميل جعارة. وقد قيل عنها على سبيل المزاح إنَّ دجاجات عين ورقة تتكلَّم خمس لغات

 

في العام 1956 وبَعدَ  إقفال المدرسة لمُدّة أربع سنوات، وإثر موافقة البَطريَرك بولس المعوشي (1955-1975)، عاد الأب إميل جعارة إلى دير عَين وَرقَة واستَقرَّ فيه، وأسَّسَ هناك جَمعيّة فتاة لبنان الإجتماعية، الّتي كانت تَهتم بتنشئة الفتاة إجتماعياَ وروحيًّا. وبَعد قُرابة العَشر سنوات من العمل الإجتماعي، أسَّس جمعية راهبات القربان الاقدَس المُرسلات، لتأمين استمراريّة الرّسالَة. وهَكَذا كانَت عَين ورقة مَهداً ومُنطلقاً للجَمعيّة

 

.تَرأَس الدّير حاليًّا الأم فرنسواز شلهوب الدويهي، وهي من عِداد الجيل الأول الّذي التحق بجمعيّة المرسلات