دير مار يوحنّا الصابغ - الخنشارة

في أوآئل القرن السابع عشر، جاء الى الشّوير خمسة رهبان حلبيين من دير البلمند، وسكنوا في وادي أبو عيسى، حيث كان يسكن الأب رزق صوايا في إحدى القلالي بالقرب من كنيسة قديمة لمار يوحنّا، بغية إنشاء رهبانية كاثوليكية ملكية. بنوا في المكان ديراً على عدّة مراحل، غدا فيما بعد الدّير الأم للرّهبنة ومركز الرّئاسة العامّة. لا معلومات عن نشأة هذا الدير ولا عن تاريخ تأسيسه، بسبب نقص في الوثائق التاريخية، سوى أنه كان في بداية القرن السابع عشر، مؤلفاً من الكنيسة ومن ثلاث قلالٍ، وقائماً آنذاك في خراج بلدة الشوير، ولهذا تُكنّى باسمها. 

بالعودة الى كنيسة مار يوحنّا، فهي معقودة وذات سوق واحد، مَدخلها مُنخفض، بِحيث لا يمكن الدّخول اليها إلّا انحناءً.  في سَقفِها جِرارٌ من الفخّار لامتِصاص الصَّدى والضَجيج، تُزيّنها أيقوناتٌ لمار يوحنّا الصابغ، ويوجد فيها مدفنٌ يضمُّ رفات الشمّاس عبدالله الزاخر، ورفاة بطاركة ومطارنة ورؤساء عامّين.

ومع الزمن ضاقت كنيسة مار يوحنّا بالرّهبان الّذين أخذ عددهم بالتّزايد، فبنى الرئيس العام للرهبنة نقولا الصايغ (1692-1756) في العام 1719، كنيسة على اسم شفيعه القديس نيقولاوس، بتمويل من عائلته، وشيّد بجوارها مجموعة من القلالي لإيواء الرهبان، فكانت رائعة بأيقوناتها المُقدّسة، وجُدرانياتها، وبلاطها الرخامي الذي يغطي أرضها بأشكال هندسية، أمّا الإيقونستاز (واجهة الأيقونات) الذي يُعتبر من الأهمّ في المنطقة، فهو تحفة فنيّة نادرة، حفره الرهبان بين عامي 1719 و1725، وقد نقشوا فيه رموزاً مُقتبسة من الكتاب المقدّس ومن العقيدة المسيحية. عرضه ستة أمتار ونصف المتر وارتفاعه أربعة أمتار ونصف المتر، وفي سَقفِها جِرارٌ من الفخار، لامتِصاص الصَّدى والضَجيج، تماماً كما كنيسة مار يوحنّا. رُمِّمت جداريات الكنيسة في العام 2017 من قبل بعثة أوروبية مُتخصِّصَة. وكان أرَّخَ الرئيس العام نقولا الصايغ الكنيسة بلوحة شعرية تعلو مدخلها، الذي أودع آخر بيت من أبياته عبارة تساوي بحساب الجُمَّل تاريخ بنائها" 1719.

 

إي مار نيقولاوس الولى الذي     حاز القبولَ بحضرة الرحمانِ

أنتَ المُظفَّرُ والأمير المُقتي        روحَ الوجودِ خلاصة الأكوان

أقبل بِطرفِكَ نحو ذات الذي       أهديكهُ مع مَقلتي أجفاني

وأثبت لِما قد جاء تاريخي له      أكرِم ببيتٍ أفضلِ الأوطانِ

                            25 +261 + 414 + 911 + 98 = 1719

 

يضمُّ الدير مكتبة مخطوطات قديمة، يرقى بعضها الى القرن العاشر، من بينها مخطوطة الإنجيل الطاهر، كتبت في عهد البطريرك أثناسيوس دبّاس. كذلك يضمُّ الدير أيقونات من مُختلف المدارس الإيقونوغرافية، أي مدرسة حلب، وروسيا، واليونان وأورشليم والمحلية، أقدمها أيقونة القديس بانديليمون وتعود الى سنة 1695، وأحدثها تعود الى سنة 1913.

 

وفي رحاب الدّير، يقطن الحبيس االراهب بولس أبو رجيلي، إثنان وتسعون عاماً، والملقب بالأب الناسك.

ولكن ميزة الدير الكبرى، تكمن في احتوائه على المطبعة العربية الأولى في المنطقة، والتي انشأها عبدالله الصايغ (1684-1748) القادم من حلب وهو ابن عم الرئيس العام في حينه نقولا الصايغ، وعُرف بالشمّاس عبدالله الزاخر، وقد أعطي لقب شمّاس لأنه عاش في الدير مع الرهبان، ولقّب بالزاخر لِوفرة علومِه وتنوّع مواهبه. فقد ألف وترجم كتباً عديدة، وكتب رسائل تناولت اللاهوت والفلسفة والقوانين الفلسفية... و في العام 1736، مثّل الرهبانية الشويرية في مجمع دير المخلص المُنعقد لاتحاد الرهبانيتين الشويرية والمخلصية. وكان قد لُقِّب من قبل الأروبيين ب  Gutenberg  الشرق!

 

عمِلت المطبعة من العام 1733 الى العام 1899، وكان يتم استخراج حبرها الأسود والأحمر والأزرق من الأعشاب المحيطة بالدير. وكتاب ميزان الزمان، وهو كتاب ديني يتحدث عن الآخرة، كان أول كتاب طُبع فيها في العام 1734، وقد استغرقت طباعته حوالى العام تقريباً.

 

وبمناسبة مرور 200 عام على وفاة الشمّاس، وإحياءً لذكراه، كتب الأديب الشاعر سعيد عقل قصيدة بعنوان خُلّدتَ زاخر. 

 

ولا تزال آلات وأدوات المطبعة محفوظة بكاملها حتى اليوم. ففي العام 1967 رَمَّمَت المديرية العامة للآثار مبنى المطبعة، وأعادت تأهيله في العام 1997. وفي العام 1998 حُوِّل المبنى الى مَتحفٍ، وافتُتِح بحضور رئيس الجمهورية آنذاك.

 

يُذكَر أن لبنان كان قد شهد في العام 1585 أول مطبعة بالاحرف السريانية في العالم العربي، وذلك في  دير أنطونيوس – قزحيا ، ليصدرعنها بعد سنوات نسخة عن كتاب المزامير بالحرف السرياني في عام 1610.

 

يشار إلى أن الدير يضمّ خمّارة تنتج النبيذ، تعمل منذ أوآئل القرن الثامن عشر.

 

 

  

 

Location: https://goo.gl/maps/43XWMGMxeMNH5rpm7