يقع دير المخلّص للرهبانية الباسيلية الحلبية وسط مدينة جونيه في منطقة صربا على صخرة تعرف بـ "القلعة" ومطلّة على خليج جونيه. بالنسبة الى اسم صربا يقول الدكتور أنيس فريحة في كتابه "مُعجم أسماء المدن والبلدات والقرى اللبنانية" انّ معناها البرج لكن الاسم يحتمل تفسيرات أخرى: نقّى وصهر المعادن (ربما مكان صهر المعادن)، وقد يكون للاسم علاقة بالإلهة Serapis الإغريقية-المصرية. وفي صربا كسروان بقيايا هيكل وثني، ويعتقد الأب اليَسوعي هنري لامنس (1862-1937)، في كتابه "تسريح الابصار فيما يحتوي لبنان من الآثار"، أنها Palaebyblos أي بيبلوس العتيقة وأخيرًا قد يكون الاسم من جذر "صرب" ومعناه الاحتراق والاشعال.
وقد كان يطلق اسم البرج على القلعة المشرفة على البحر والتي تعلو شير الباطيّة ، وقد شيّد على أنقاضها دير المخلّص للآباء الباسيليّين، وما زالت المداميك السفلى للقلعة قائمة وتشكل قاعدة الدير، يفوق طولها الثلاثين مترًا وعلوها يزيد عن ثلاثة أمتار. حيث يُوجد فيها رأسُ ثورٍ منحوتٌ داخل كوّة على أحد حجارة المداميك، حيث ارتبط العجل بالإله بعل، إله العواصف والخصوبة، حيث كانت الثيران أو العجول رموزًا للقوة الذكورية والخصوبة الزراعية.
يوجد على بعض من حجارة الدير نقوش وكتابات ورموزتمثّل حقبات متنوعة، منها الفينيقي والإغريقي والروماني، مما يدلّ على تعاقب الحضارات في هذا الموقع. وقد وجد الفرنسي إرنست رينان Ernesrt Renan تمثالا لجوبيتير بين أنقاض القلعة فنقله إلى متحف اللوفر في فرنسا...
كما اكتشف الباحثون أن القلعة كانت متّصلة ببرج طبرحا وبقلاع داخلية عبر طريق شر قي يبدأ من صربا مرورًا بساحل علما، ومعراب وفيطرون وصولًا إلى قلعة فقرا، ثمّ هيكل اليمونة، فقلعة بعلبك حيث المعبد الأكبر لعبادة الشمس. وتشير الدراسات إلى أن الفينيقيين شيّدوا داخل قلعة صربا معبدًا مكرّسًا للإلهة الشمس، التي اعتبروها شريكة للإله «أتون»، إلى جانب عبادتهم للكواكب التي تمثّلها عشتروت، ملكة السماوات وربّة القمر والطبيعة والحياة، وأدونيس، إله الشمس والخصب والجمال. وخلال أعمال بناء قرب موقع القلعة، عُثر على فسيفساء بيزنطية ملوّنة ما زال الجزء الباقي منها في حالة جيّدة، تعكس مستوى فنيًا راقيًا. وتُظهر الأبحاث أن هذه الفسيفساء كانت على الأرجح أرضية كنيسة بيزنطية مهمة. ويرجّح بعض المؤرخين أن الإمبراطور قسطنطين الكبير (٢٧٤–٣٣٧م) حوّل معبدًا فينيقيًا قرب قلعة صربا إلى كنيسة، كما فعل في أفقا وأماكن أخرى من لبنان.
كذلك يوجد جزء من كورنيش عائد للقلعة في الحديقة الشرقية للدير، كما يوجد في حائط رواق المبنى الشمالي للدير حجران يعودان الى حقبات سابقة Spoila، على أحدهما كتابة لاتينية، الأرجح أن تكون:
السطر الأول:
M·DXXX1530 أو M·DCCX 1710
السطر الثاني:
VINC قد يكون جزء من كلمة vincit أو vincula أو اسم آخر vincentius ...
تبدو ظاهرة بعض الحروف مثل XPI أو XPE قد تكون اختصار لكلمة Christus\Christi\Christiane
كما نقرأ أيضًا SACER ربما للإشارة إلى Sacerdos أي راهب أو sacrum مقدّس...
نستنتج أنه قد تشير تلك الكتابات إلى إهداء جنائزي أو ديني، نموذجي للنقوش اللاتينية في الأديرة أو الكنائس؛ أو ربما إلى تاريخٍ مرفقٍ باسمٍ ووظيفة مثلًا
M D XXX VINCENTIUS SACERDOS
وعلى الحجر الثاني نحت بارز يقال بأنَّه يمثّل الإله أبيس...
وننقل من منشورة لدير المخلّص للروم الملكيّين الكاثوليك – صربا، جونيه بأنّه يبدو أنه كان هناك نفق أو درج منحوت في الصخر في عمق الشير الذي كانت قائمة عليه القلعة، ينحدر باتجاه مغارة مار جرجس المعروفة ب الباطية، وفد أغلقته شركة سكة الحديد التي كتنت ممتدّة من بيروت إلى المعاملتين.
ويَذكر المؤرّخ واكيم بو لحدو ما يلي: "من الممكن أنّ كهنة معبد صربا استعملوا هذا الممرّ السرّي لينقلوا خلسة في الليل تقديمات الطعام مدّعين أنّ الإله جاء ليلًا وأكلها. ويروي التقليد في صربا اسطورة بنت الملك. ويقال أنّ السرداب الممتدّ بين القلعة ومغارة مار جرجس كانت بواسطته تنزل بنت الملك للاستحمام وتعود مسرعة بعيدًا عن الأعين". ويضيف: كان هيكل صربا مرتبطًا بهيكل أفقا بالطريق التي تبدأ من جونيه مرورًا ببلدة غزير صعودًا إلى بلدة الغينة حيث كان الحجيج المنطلق من جونيه يتوقف بالغينة للتبرّك من قبريّ الإله أدونيس والإلهة عشتروت. ثمّ يتابع سيره إلى بلدة لاسا ومنها إلى أفقا التي كانت حمى لأدونيس بعل لبنان، حيث أنّ هيكلها مشابهًا تمامًا لهيكل صربا. وأوّل من ذكره فيوسيبيوس، والذي علّل سبب هدمه بأمر قسطنطين الملك حينما حطّ رحاله في قلعة صربا وحوّل هيكلها إلى كنيسة بيزنطية، وذلك بعد أن اعتبر أن هيكليّ صربا وأفقا التوأمين كانا مدرسة للرذيلة والفجور يؤمّهما الإباحيون المتهكمون."
وكان الأب العام للرهبانية الباسيلية الحلبية الخوري توما قباش قد إشترى في أواخر العام 1883 دارة السيد عبد الأحد خضرا، وفي العام بدأ ببناء الكنيسة على اسم المخلّص، وانتهى بناؤها في العام 1890، رغم الضائقة المادية التي مرّ بها الدير، إلّا أنّ صاعقة ضربتها في العام التالي وتسبّبت بأضرار جسيمة.
وكان قد إنعقد مجمع عام للرهبانية عام 1886 وقرّر اعتبار دير المخلّص في صربا ديرًا قانونيًّا كسائر أديرة الرهبانيّة، كما انعقد في الدير عدّة سينودسات للطائفة... وكان فيه مدرسة لتعليم الرهبان، وتمّ تحويل ممتلكات دير النبي أشعيا في برمانا إلى دير المخلّص – صربا، لزيادة مداخيله. وفي السنة نفسها تمّ انتخاب الأب جبرائيل باسيل رئيسًا للدير، فقام بإكمال الدير بدعم معنوي ومادي من رئيس عام الرهبانية.
في العام 1895 تمّ الاتّفاق بين رئيس الدير الأب إكليمنضوس تركمان وراعي أبرشية بيروت للملكيّين الكاثوليك المطران ميلاتيوس فكّاك على نقل المدرسة إلى الدير، وهدم بعض الغرف والجدران المتداعية، كما زيّن الكنيسة برسم بيزنطيّ واستبدل قبّة الكنيسة بأخرى.
في العام 1951 أدخل رئيس الدير الأب قسطنطين كلّال إصلاحات على الكنيسة والدير، وفي العام 1960 تمّ تشييد مبنى جديد ملاصق للدير لجهة الشرق ليكون مقرًّا للكهنة والعجزة، كما خصّص مبنى للرئاسة العامة للرهبانية الباسيلية الحلبية.
وأثناء الحرب الأهلية، استقبل الدير الكثير من المهجّرين من مختلف الطوائف وأمّن لهم المأوى والطعام، كالعديد من الأديرة، كما استقبل العديد من الشخصيات السياسية آنذاك بهدف التقريب من وجهات النظر ووقف القتال. بحسب ما ورد في كتاب "الأديرة في قضاء كسروان"، للباحث عماد أدوار مراد.
يحتفظ الدير بمخطوطات تاريخية ودينية مهمّة، ويعمل على تحديث مكتبة الشير التي تم نقلها إليه خلال الحوادث الأخيرة. وفي الدير ضريح الشاب فتحي بلدي (1961-1980) الذي وافق السينودس المقدّس للروم الكاثوليك عام 1994 على تقديم دعوى تطويبه وتقديسه وقد وافقت الدوائر المختصّة في الفاتيكان على قبولها ... كذلك يوجد مدفن المطران هيلاريون كبوجي (1922-2017).
ومن الجدير بالذكر أنه في تشرين الأول 1939، تمركز عناصر من الجيش الفرنسي في الدير
وإثر مغادرتهم تركوا جرسًا صغيرًا ما زال الآباء يستعملونه وقد كتب فوقه على لوحة نحاسية :
France Micheline
Sonne clair la victoire
28 Avril 1940