دير مار ضومط - بشعلي

تقعُ بلدة بشعلي على هضبةٍ في أعالي قضاء البترون، يتراوح ارتفاعها ما بين 1200 و 1400م تقريباً. تحيط بها كلٌّ من دوما، نحلا، أصيا، راشا، حدتون وترتج. تبعدُ عن العاصمةِ بيروت 75 كلم، و25 كلم عن مركز القضاء

 

يقول الدكتور أنيس فريحة، في كتابه "مُعجَم أسماء المُدُن والقُرى اللبنانية"، أن كلِمة "بشِعلِة (بشِعلي) وقد جاء ذكرها في مصادر صليبية: "بت زعال"، الباء مقطوعة من "بت"، وأمّا الجزء الثاني فيُحتمل أن يكون من جذر "شالي"، رفع وعظّم ومجّد، أي أنه على وزن "شَفعَل"، من جذر "علا" (أي أن الشين من أصل حروف الجذر)، ويفيد العُمق والتقعُّر والقاع، أو ثعلب (ويقابِله في العربية ثعال وثعالة)، وعليه معنى الاسم، 1- المكان المُستعلي المجيد، الرفيع، 2- المكان المُنخفض المُتقعّر، القاع، 3- بيت الثعالب. وأخال أهل بشعلة يفضلون المعنى الأول". وبعضهم يقول أن "بشعلي اسمٌ أراميّ سريانيّ (بيت زحال: شعلو) ويعني المكان الرفيع العالي العظيم". وقيلَ كنعانيّ أو عبريّ، ويعني بيت الإلٰه.

 

في البلدة الكثير من الأماكن الدينية، ككنيسة السيّدة (سيّدة البلاطة) الأثرية، والتي تعود الى القرن السادس عشر، وكنيسة مار اسطفان الرعائيّة، التي بُنيت في أواخر القرن الثامن عشر، بالإضافة الى أديرة أثرية، منها دير مار توما ومار ضومط الأثريّان...

 

فدير مار ضومط هو من أقدم المقامات الدينية، يقع جنوب البلدة على تلة تشرف على البحر. غير أنه تداعى، ولم يتبق منه إلاّ كنيسته ومجازها الخارجي على شكل قنطرة، وقبو خلفيّ. هندسته بيزنطية، كنيسته معقودة وذات سوق واحِد لجِهة الشَرق. حائطها الشمالي يضمُّ ثلاث قناطر منخفضة، خلفه ممرٌّ كان يقود الى القبو. يحيط بالمذبح عمودان ضخمان، نقرأ على عمود اليمين كتابة باليونانية مفادها اسم "الله"، على الأرجح أنّ تلك الكتابات تعود الى الحقبة الرومانية (64-635م). قال عنهما الأب اليَسوعي هنري لامنس (1862-1937)، في كتابه "تسريح الابصار فيما يحتوي لبنان من الآثار"، أن هذا الدير كان من اهتمام الباحث الفرنسي إرنست رينان حين زار لبنان في العام 1860 موفداً  من الإمبراطور الفَرَنسيّ نابوليون الثّالث ب "مهمَّة في فينيقيا".

 

يحتفل أهالي بلدة بشعلي سنوياً بعيد مار ضومط في السابع من شهر آب بإقامة القداديس والاحتفالات الشعبية في باحة الدير،  تحت ظلال سنديانته الوارفة.

 

بالعودة إلى مار ضومط، هناك أكثر من قديس يحمل هذا الاسم : فالروزنامة الليتورجيّة تختلف بين كنيسة وأخرى، إذ يحتفل اللّاتين بعيد مار ضومط، اسقف “هوي” في 7 أيار، في حين يُكرّم الموارنة والرّوم الأرثوذكس والكاثوليك مار ضومط الفارسيّ الشّهيد، في السابع من شهر آب، وهو الأكثر شهرةً في الشّرق، وهو يُعرف في بلاد الغرب ب Domitius أو  ب Domitian.

 

فمار ضومط الفارسيّ، الشّهيد، كان يعتنق الوثنية، وعاش أيّام يوليانس الأريوسيّ، الجاحد في مدينة أمد. كان مِن بين الذين اضطهدوا المسيحيّين، لاسيّما رجال الدين منهم. أصيبَ بداء المفاصل الأليم، فاستفاق من غيّه، معتبراً مرضه دعوةً من الله إلى التوبة. فاعتنق الديانة المسيحيّة، وترك أهله ووطنه في فارس، وأتى إلى مدينة الرُها، حيث ترهّب في أحد الأديار، وصار فيما بعد شمّاساً. وعندما قرّر رئيسه أن يرقيّه إلى درجة الكهنوت المقدّس، اعتذر ضومط ورفض هذه المسؤوليّة. فانكفأ إلى مغارةٍ حيث تنسّك، متقشفاً وتائباً عن خطاياه قرابة الثلاثين سنة. ذاع صيته، وصار مَقصداً للمؤمنين، وقدوة في التوبة والإيمان. استشهد في نصيبين، بلاد ما بين النهرين حوالي سنة 362 م. كان شفيعاً لمرضى داء المفاصل.

 

https://goo.gl/maps/maWAh1kxLn1tmFnB8 Location